رصدت «الإمارات اليوم» انتشار إعلانات في صورة تعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي، تروّج لبيع مواد مخدرة إلكترونياً، ما يؤكد أن الترويج لم يعد مقتصراً على رسائل من أرقام مجهولة ترسل عبر تطبيقات الدردشة، مثل «واتس أب» أو «تيليغرام»، بل امتد إلى خانات التعليق على الصور والآراء التي تنشر في المواقع العامة.
وكتب مستخدمون عبارات تروج لأنواع من المخدرات مع وضع أرقام للتواصل، لافتين إلى تقديمهم خدمة توصيل الطلبيات إلى أي مكان.
في المقابل، أكد مختصون أن بعض الأشخاص يسيئون استغلال وسائل التواصل الاجتماعي ويستخدمونها في أعمال إجرامية مثل الترويج للمخدرات، موضحين أن القانون الإماراتي تصدى لهم بالحبس والغرامة.
وتفصيلاً، قال القائد العام لشرطة الشارقة، اللواء سيف الزري الشامسي، إن الجهات المعنية في الدولة تتابع المتورطين في الترويج الإلكتروني للمخدرات، من خلال تتبعهم والتصدي لهم، مشيراً إلى أنه «على الرغم من الجوانب الإيجابية المهمة لتطور التقنيات، إلا أن بعض الأشخاص يسيئون استغلالها في سلوكيات هدّامة».
وقال اللواء الشامسي لـ«الإمارات اليوم» إن آلية الترويج الإلكتروني للمخدرات، تعطي المروج الفرصة للتنقل من مجتمع إلى آخر، بسبب وجوده بعيداً عن الأنظار، وبذلك فهو يورّط المشتري، أو المتعاطي، بعد أن يتوجه هذا بنفسه لاستلام المخدرات التي يرغب في شرائها، إذ يتحول تلقائياً إلى متهم.
وأشار إلى أن السبب الرئيس وراء تورط المتعاطين هو دخولهم في «الشق المرضي» المرتبط بإدمان المخدرات، إذ يقوم المتعاطي بأي ممارسات تُفقده السيطرة على نفسه وتدفعه للوقوع في دائرة الاتهام.
وأكد أنه من خلال المتابعة والرصد لظاهرة الترويج للمخدرات، تبين أن انشغال بعض الآباء عن أبنائهم، سواء بقضايا الخُلع والطلاق أو بالعمل، يوقع الأطفال ضحايا لبراثن تجار المخدرات، بحيث يبدأ المراهق بالتجربة، ثم ينساق في ذلك الطريق المظلم، داعياً الآباء لرعاية أبنائهم بصورة أكبر ومتابعتهم طوال الوقت، والانتباه لأي أعراض أو سلوكيات مختلفة تظهر عليهم، مثل النوم طويلاً أو نقصان الوزن أو زيادة الطلبات بشكل مفاجئ.
وتابع اللواء الشامسي: «لدينا جهود كبيرة تبذل داخل دولة الإمارات على مستوى مختلف الجهات الاتحادية والمحلية لتتبع مروجي المخدرات وضبطهم، في ظل تطور الأجهزة المعنية بصورة كبيرة واعتمادها على أفضل التقنيات الحديثة»، لافتاً إلى أن شرطة الشارقة أحبطت أخيراً محاولة تهريب مخدرات كانت مُخبأة داخل أحجار رخام، حيث قبض على عصابة يُديرها تجار من خارج الدولة.
من جانبه، قال المحاضر المعتمد في الوقاية من المخدرات، الدكتور حمد عبدالرحمن البقيشي، إن الترويج الإلكتروني للمخدرات ظهر بصورة أكبر وقت أزمة كورونا، حينما أُغلقت الموانئ والمطارات والمنافذ الجوية والبرية والبحرية في الدولة، ففكّر تجار المخدرات – وهم أصحاب عقول ذكية وعلى مستوى عالٍ من التعليم – في الترويج الإلكتروني ونجحوا في ذلك مع نهايات عام 2019، ودأب بعض الشباب على تحويل مبالغ كبيرة عبر الصرافات والحسابات البنكية، إلا أن الدولة كانت لهم بالمرصاد وبذلت جهوداً كبيرة في تعقبهم والتصدي لهم.
وأوضح أن المروجين لديهم قواعد بيانات تصل إلى 3000 شخص بأرقام عشوائية، وحينما يرسلون رسائلهم الترويجية قد يتجاوب معهم 10 أشخاص من بين القائمة، ومن ثم يستفيدون ويتربّحون من ذلك.
وأكد أن عائلات كثيرة تضرّرت بسبب انسياق أشخاص في الـ50 من عمرهم وراء الإدمان، ناهيك عمن هم بين 16 و25 عاماً من الشباب والفتيات.
وتابع البقيشي: «باشرت وزارة الداخلية التصدي للتسويق الإلكتروني للمخدرات، حيث نشرت في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات عام 2023 منشوراً بعنوان (شاركنا لنمنعها)، لتشجيع المواطنين والمقيمين داخل الدولة على مشاركة وزارة الداخلية في منع ترويج المخدرات إلكترونياً».
وبناء على هذا الشعار تعمل وزارة الداخلية بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي و«واتس أب» على تتبع أي إعلان ترويجي من داخل الدولة أو خارجها، وغلق الرقم نهائياً بالمعلومات الموجودة عليه عبر الأقمار الاصطناعية بحيث لا يجوز نقلها.
وكشف عن إغلاق صرافات متورطة في التحويلات المشبوهة ومحاسبة كثير من الموظفين، لافتاً إلى وجود تنسيق بين المصرف المركزي ووزارة الداخلية للتحكم في الأمر، حتى الصيدليات أيضاً، بحيث يتم صرف الدواء على الهوية، ثم يسجل الدواء المصروف، منعاً لصرف أدوية مدرجة على جدول المخدرات.
وقال البقيشي: «لدينا فريق كامل في وزارة الداخلية للوقاية من المخدرات ونشرنا دليلين توعويين: الأول يحمل اسم (دليل الوالدين للوقاية من المخدرات) ونشرناه في البيوت ونظمنا محاضرات توعية في المدارس والأندية به، والثاني باسم (البيئة المدرسية للوقاية من المخدرات)، ويتم إعطاؤه للأكاديميين والمعلمين وضباط السلامة في المدارس عن كيفية الانتباه للطالب في التعاطي والترويج».
وشدّد على أهمية دور الأسرة في حماية الأبناء، بحيث لو تبين تعاطي أحد أفرادها، من خلال متابعة الأعراض والسمات التي تظهر عليه سواء النوم المتواصل أو تناقص الوزن بصورة واضحة والاضطراب النفسي، يتم التعامل بشكل فوري لمنع انغماسه بصورة أكبر.
بدورها، قالت المستشارة الأسرية الدكتورة، بدرية الظنحاني، إن للوالدين دوراً محورياً في حماية الأبناء وتوعيتهم بخطر المخدرات، وبالتالي لابد من تثقيف الأسر في جانب تنمية مهاراتهم لتوعية الأبناء للإعلانات الإلكترونية وتمكينهم من آليات وطرق التعامل مع الظاهرة.
وأضافت: «العالم أصبح أكثر تواصلاً من السابق والأبناء باتوا على تواصل مع العالم بشكل مباشر من خلال منصات التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها، ما يتيح فرص التوعية بخطر تعرُّض الأبناء للإدمان أو رغبتهم في التعرف إلى المحظور، وبالتالي لابد من المراقبة الواعية عبر غرس الوازع الديني، والرقابة الذاتية في نفوسهم، والتوعية بأضرار المخدرات وأخطار الإدمان».
وأوضحت الظنحاني أن السعادة والإيجابية تسهمان في مواجهة ضغوط الحياة والاستمتاع بها، لذا فإن ترسيخ القيم الإيجابية كأسلوب حياة في المجتمع الإماراتي يسهم في البُعد عن طريق المخدرات، كما أن اختيار أصدقاء يثرون الحياة بالوعي والنصح الإيجابي يساعد على تطور الشخص والابتعاد عن الوقوع في المشكلات والتعاطي.
وشدّدت على أن الأسرة المتماسكة من أهم المحاور التي تلعب الدور الرئيس في تحصين الأبناء من الوقوع في براثن التعاطي، من خلال غرس القيم والمبادئ السامية والأخلاق العالية، وتعزيز العلاقة مع الأبناء، فضلاً عن أن الجسم السليم والمحافظة على الصحة الجسدية والنفسية عاملان مهمان لتطور الفرد والمجتمع.
وقال المستشار القانوني محسن الخباني: «يتبين جلياً حرص المشرع في الإمارات على تحديث القوانين والتشريعات الخاصة بمكافحة المخدرات لمنع هذا السلوك الإجرامي».
وقال: «حتى إذا ابتكرت العصابات الإجرامية أساليب مستحدثة للاتجار والترويج، مثل التسويق الإلكتروني عبر منصات التواصل الاجتماعي، وحاولت الوصول لأكبر شريحة مجتمعية ممكنة، فإن القانون يظل رادعاً بما نصّ من عقوبات صارمة في هذا الجانب».
وأضاف أن المادة 31 من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، تقرر عقوبة الاتجار والترويج للمخدرات والمؤثرات العقلية بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم ولا تزيد على مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتطبق العقوبة على كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو أشرف عليه أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، للاتجار أو الترويج للمخدرات أو المؤثرات العقلية، وما في حكمها أو كيفية تعاطيها أو لتسهيل التعامل فيها في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
الدكتورة بدرية الظنحاني: الأسرة المتماسكة من أهم المحاور التي تلعب دوراً رئيساً في تحصين الأبناء من الوقوع في براثن التعاطي.
المصدر / الإمارات اليوم