سلايد 1

مطالبات بكتابة درامية تعالج أزمات المجتمعات العربية

الكتابة المسرحية العربية المعاصرة وما الذي تقوله أو ترويه، وما هي الإشكالات التي تواجهها، وكيف يستطيع الكاتب المسرحي الحالي أن يستقطب الجمهور للمسرح، ويعيد بطريقته الحديثة علاقة الوصل التي كانت قائمة بين المتلقي العربي ومسرحه في فترة القرن العشرين المنصرمة؟، وما هي نماذج الكتابة المسرحية الحالية؟ تلك في المجمل أسئلة الندوة التي نظمت في فندق هيلتون في إطار الملتقى الفكري المصاحب لأيام الشارقة المسرحية في دورتها ال28.
جاءت الندوة تحت عنوان بارز ومركب هو «الكتابة المسرحية حاضرا.. ما الذي ترويه»، أي أنها أرادت التركيز على الحقبة الحاضرة من الكتابة المسرحية، وأرادت من ثم الفحص النظري لمحتوى تلك الكتابة وما تصفه أوالواقع الذي تشخصه مسرحيا.
أدار الندوة وقدم لها الكاتب المسرحي نجيب الشامسي، وحاضر فيها كل من الكاتب والناقد إبراهيم الحسيني من مصر والذي ألف العديد من المسرحيات، من بينها مسرحية «كوميديا الأحزان» والتي نال عنها جائزة كاتب العام من جامعة هارفارد الأمريكية سنة 2012 م، وترجمت إلى الإنجليزية، وأخرجت من طرف مخرجين أمريكيين عدة، وهو أحد الباحثين في ما يمكن أن يطلق عليه مسرح ما بعد الحداثة في العالم العربي، والكاتب المسرحي أحمد السبياع من المملكة المغربية والذي له عدة نصوص مسرحية من بينها: «كلاكاج»، و «مساحات مضيئة» و«امرأة وحيدة تؤنسها الصراصير»، وله أبحاث أكاديمية عن الكتابة الدرامية المغربية، أشكالها وإشكالاتها.
لم يأت المسرح من فراغ، هكذا ابتدأ الشامسي تقديمه لمحاور الندوة ولموضوعها، وأكد أن المسرح هو جزء من مكونات مشهد التنمية بشكل عام، وهو عملية ثقافية تهدف لصناعة الوعي وترسيخه في المجتمعات، وأبرز الشامسي أنه كلما كان المسرح قريبا من هموم المجتمع ومعالجا لها استطاع أن ينهض بذلك المجتمع ويحقق النجاح المرجو منه.
وقال الشامسي إنه حين نتحدث عن المسرح العربي في ظل كل هذه التحديات التي تواجه المجتمعات العربية كالتشرذم والفقر والجهل و الإرهاب، فلا بد عندئذ أن نطرح السؤال الجوهري: لماذا هجر الجمهور العربي المسرح؟
وأكد الشامسي أن المسرح العربي الآن بات في معظمه محصورا في محاولات لصناعة كوميديا لا تتعدى إضحاك الناس، وأضاف أن المطلوب الآن هو كتابة مسرحية تستهدف انتشال المجتمعات من أزماتها الذاتية، وتعالج واقعها، وتنهض بالمسرح بعيدا عن المعالجات التجارية البحتة له.
ثمة إنتاج متعدد للمعنى، ولم تعد الدول تتحكم في عملية إنتاج المعنى، بتلك الجملة التي اختزلت فكرة كل ورقته التي قدمها في الندوة، استهل الحسيني كلامه، قائلا إن أي كاتب ستكون أمامه مجموعة أشياء مجتمعية لا بد أن يكتب عنها، وهو هنا إما أن يستمر في نفس الطريقة التقليدية في الكتابة، أو ما أسماه الحكاية الأسمنتية التي تبتدئ بمقدمة، فهيكل، فخاتمة، أو يحاول أن يتسق مع عصره الحالي ومع روح الإنسان الحالي واهتماماته وطريقة تفكيره.
وأبرز الحسيني أن الإنسان الحالي بات متغير التفكير عما كان عليه في فترات القرن العشرين الماضية، وبات وجود مواقع التواصل الاجتماعي يفتح أمامه تعددا هائلا في إنتاج المعنى بحيث لم يعد أمامه معنى واحد، وشدد الحسيني على أن الكتاب المسرحيين عليهم أن يتماهوا مع هذه الفكرة، وينتجوا نصوصا مسرحية تتجاوز التراتبية الحكائية التقليدية، واستعرض الحسيني مجموعة تجارب مسرحية لكتاب مصريين وصفهم بكتاب ما بعد الحداثة ومن بينهم ياسمين إمام، وشريف صلاح الدين، ووليد علاء الدين، وقال بأنهم حاولوا صناعة نص له بنية جديدة، بحيث يقول كل نص أشياء متعددة ضمن نفس القالب، واستعرض طريقة تصوير الشخصيات داخل تلك النصوص، وقال إنها شخصيات متشظية، وتعطي في كل مشهد وفي كل لقطة تعددا للمعنى، واعتبر أن ذلك يتيح للمتفرج أن يخرج بالمعنى الذي يريده من داخل المسرح، دون أن يفرض عليه المعنى الواحد كما يحدث في النصوص المسرحية الكلاسيكية.
وأكد الحسيني أن حالة تعدد المعنى والتشظي تلك هي سمة من سمات ما بعد الحداثة، واستعرض الحسيني أمثلة من النصوص التي اعتبرها «ما بعد حداثية» مثل نص «الهوامش» لشريف صلاح الدين، ونص «أكمل مكان النقاط» لسامح عثمان، ونص «فردة حذاء واحدة تسع الجميع» لياسمين إمام، ونص «72 ساعة عفو» لوليد علاء الدين.
وأشار الحسيني إلى أن تلك النصوص تجعل علاقة المتفرج بها أكبر، إذ إنه سيكون عليه أن يكتشف علاقة المشاهد المسرحية بعضها ببعض، وأضاف الحسيني إن كل تلك النصوص تعمل على فكرة الهدم ثم البناء وتكرر تلك التيمة مرات عديدة في النص، لتجعل المتفرج يخلق المعنى الخاص به.
وطالب الحسيني بتقدير الوعي الخاص والمختلف للشباب الكتاب الحداثيين، واعتبارهم تيارا أو اتجاها في الكتابة يحاول التعامل مع أزمات الواقع الحالي بشكل جديد ومختلف عن الشكل التقليدي في الكتابة المسرحية.
نجيب الشامسي تساءل في إطار تعقيبه على مداخلة الناقد والكاتب إبراهيم الحسيني عن الهدف من الكتابة، وهل هي كتابة من أجل ذات الكتابة أم أنها تهدف إلى التغيير في المجتمع؟ وقال إن الكاتب عليه أن يحدد هدفه.
بدوره تناول الكاتب أحمد السبياع نماذج من النصوص المسرحية المغربية في الوقت الراهن، مركزا على تقنية استحضار الشخصيات فيها، وأبرز من خلال عدة نصوص من بينها «لالة جميلة» كيف أن الشخصيات تحتجز داخل النص ضمن فضاء محدد، كما استعرض السبياع عدة نصوص أخرى تتناول إشكاليات عديدة كموضوع المرأة في المغرب، والعنف ضد النساء، وموضوعات الفساد بكافة أشكاله، وتناول السبياع من خلال ورقته تجربة مسرح الشارع في المغرب والنصوص التي تكتب له، وأوضح أن تجربة التلقي في الشارع مختلفة بالمرة عن تجربة التلقي في المسرح العادي، وقال إن ثمة صعوداً وتنامياً لمسرح الشارع في المغرب وتناول عدة أمثلة من نصوص مسرح الشارع من بينها «نص نص»، و«باركينج»، وأشار إلى أنها تقوم على نفس فكرة احتجاز الشخصيات داخل فضاء محدد.

الخليج

إغلاق