وتفصيلاً، أكد رئيس قسم الأبحاث ومدير مؤسس لمركز أبحاث اضطرابات الدم النادرة في برجيل القابضة وأستاذ فخري في جامعة خليفة وفي كلية طب وايل كورنيل في نيويورك، الدكتور خالد مُسَلّم، أن أبوظبي حاضنة للأبحاث العلمية والعلاجات المتقدمة لمرض الثلاسيميا، حيث تشارك بصفة مستمرة بالأبحاث السريرية العالمية كما تجري تجاربها على العلاجات الواعدة التي قد تسهم في تحسين حياة المرضى والتخفيف من معاناتهم، مشيراً إلى تشخيص نحو 1000 إلى 1500 مريض في الإمارات مصابين بأشكال مختلفة من مرض الثلاسيميا، وحالياً يتم العمل على دراسات بحثية مكثفة لمرضى الثلاسيميا، بدعم من دائرة الصحة في أبوظبي، بهدف فهم السمات السريرية واحتياجات المرضى في الدولة بشكل أفضل.
وقال مُسَلّم: «يعرف مرض الثلاسيميا بأنه أحد اضطرابات الدم الوراثية الناتجة عن خلل في الترميز الجيني للهيموغلوبين، وهي المادة الموجودة في خلايا الدم الحمراء المسؤولة عن حمل الأكسجين إلى أعضائنا، ولكي يصاب المريض بالثلاسيميا عليه أن يرث نسخة واحدة من هذا الخلل الجيني من الوالدين، ولهذا السبب قد يكون مرض الثلاسيميا أكثر شيوعاً في الأسر التي تحمل هذا الجين خصوصاً في حالات زواج الأقارب».
وأوضح أن المرضى الذين يعانون مرض الثلاسيميا، الشكل المعتمد على نقل الدم (TDT)، الذين تم تشخيص إصابتهم بفقر الدم الشديد في مرحلة الطفولة المبكرة، يعيشون تحدياً كبيراً متمثلاً بحاجتهم لنقل الدم المنتظم (شهرياً) للبقاء على قيد الحياة، لكن عمليات نقل الدم تؤدي أيضاً إلى تراكم الحديد الزائد في الجسم، الأمر الذي يتطلب الاستخدام المزمن باستخلاب الحديد لمنع زيادة الحديد في القلب والكبد، ما يؤدي إلى فشلهما. وتابع مُسَلّم: «بقدر ما تكون العلاجات التقليدية متاحة على نطاق واسع ومنسقة بشكل جيد عبر مختلف المراكز في دولة الإمارات، يبقى العلاج مدى الحياة عبئاً على المريض ونظام الرعاية الصحية، ومع تطور العلاجات يمكن إجراء عمليات زراعة نخاع عظم لبعض المرضى، بعدما أثبتت نجاحها في تحقيق الشفاء».
وأشار مُسَلّم إلى وجود العديد من المرافق التي تتمتع بقدرات متطورة في مجال زراعة نخاع العظم داخل الدولة، إضافة إلى علاجات شفائية مبتكرة أخرى متاحة أيضاً، بما في ذلك الأساليب التي تهدف إلى تعديل جينات المرضى أو إدخال جينات جديدة (العلاج الجيني) لتحل محل وظيفة الجين المعيب الذي يحمله هؤلاء المرضى، لافتاً إلى أن هذه الأساليب أظهرت نتائج واعدة في التجارب السريرية العالمية الأخيرة التي يجري العمل على إتاحتها للمرضى في دولة الإمارات، مع الأخذ في الاعتبار أنها تتطلب مرافق متخصصة للغاية للتنفيذ، إضافة للكلفة المرتفعة. ولفت مُسَلّم إلى تطوير العديد من الأدوية الأخرى التي يمكنها تعديل المرض بهدف تقليل متطلبات نقل الدم من خلال دعم النخاع العظمي لإنتاج خلايا دم حمراء أكثر صحة من تلقاء نفسه، حيث تم إجراء العديد من الدراسات في دولة الإمارات كان لها صدى عالمي، حيث تمكنت من توضيح المستويات المثالية للدم ومستويات الحديد الآمنة التي يحتاجها المرضى لتقليل خطر الإصابة بالأمراض والوفيات، إضافة إلى أن إمارة أبوظبي تعد جزءاً من التجارب السريرية العالمية للعلاجات الحديثة التي أتاحت لمرضانا الوصول المبكر إلى هذه التقنيات المتقدمة. وأكد مُسَلّم أن الشكل الآخر من الثلاسيميا، غير المعتمدة على نقل الدم (NTDT)، حظي أيضاً باهتمام كبير. ومن خلال العديد من الدراسات من الشرق الأوسط ودولة الإمارات، تم إعادة تشكيل فهم عبء المرض لدى هؤلاء المرضى، حيث تم العمل ضمن تجارب عالمية على تطوير أدوية جديدة يمكنها تخفيف فقر الدم لديهم. والنتائج الأولية لهذه الدراسات التي تشارك بها الإمارات بدعم من دائرة الصحة في أبوظبي مبشرة جداً. وذكر استشاري أمراض وأورام الدم وزراعة نخاع العظم لدى الأطفال في مدينة برجيل الطبية الدكتور محمد فهد عبدالله، أن العلامات والأعراض الأولى تظهر على معظم الأطفال المصابين بالثلاسيميا المتوسطة إلى الشديدة خلال أول عامين من حياتهم، حيث يبدأ المرض في الظهور عندما يكون عمر الطفل بين ثلاثة وستة أشهر.
وفي حال الاشتباه في إصابته بالثلاسيميا، يمكن تأكيد التشخيص من خلال اختبارات الكشف عن عدد خلايا الدم الحمراء والتشوهات في الحجم أو الشكل أو اللون، إضافة إلى استخدام اختبارات الدم لتحليل الحمض النووي للبحث عن الجينات المحورة. وأشار عبدالله إلى أن علاج الثلاسيميا يعتمد على نوع المرض وشدته، وتعتبر زراعة نخاع العظم العلاج الثوري لبعض حالات الثلاسيميا، حيث يتم إجراؤها بتبرع أحد أقرباء المريض بنخاع نقي لمريض الثلاسيميا، ما يسمح بتجدد الخلايا السليمة والتخلص من الخلايا المعيبة، لافتاً إلى أن هذا العلاج غير متوافر في بعض الدول، وإن وجد فكلفته عالية تصل لمئات آلاف الدولارات، إلا أنه متوافر في مراكز عدة بالدولة، إضافة إلى توافر العلاج الثاني، وهو عمليات نقل الدم، حيث تتطلب الأشكال الخفيفة من الثلاسيميا عمليات نقل في بعض الأحيان، بينما تتطلب الأشكال الشديدة زيادة في تواترها. ولفت إلى أن الدراسات والأبحاث لاتزال تركز على بحث دور العلاج الجيني وكيفية استبدال الجين المصاب والتحكم بخارطة الجينات واستبعاد الجينات المعيبة منها، لتلافي توارث هذه الأمراض، مشيراً إلى أن بعض العلاجات الجينية أصبحت معتمدة لكن عند الكبار فقط.
100 مليون مصاب حول العالم
أكد مركز أبوظبي للخلايا الجذعية سعيه إلى زيادة الوعي عن مرض الثلاسيميا باستمرار. ومع وجود نحو 100 مليون شخص حول العالم يحملون جينات الثلاسيميا وأكثر من 300 ألف طفل يولدون سنوياً مصابين بهذا المرض بحسب إحصاءات الاتحاد الدولي للثلاسيميا، هناك حاجة ملحة لإيجاد علاجات مبتكرة لهذا الاضطراب الوراثي.
وشدد على أنه بصفته مركزاً مختصاً في علاجات أمراض الدم، فإنه ملتزم برفع مستوى الوعي وتقديم الدعم والرعاية المبتكرة للمرضى الذين يعانون مرض الثلاسيميا.
وأشار إلى وجود نقلة نوعية في علاج مرض الثلاسيميا عن طريق العلاج الجيني لإصلاح الخلل الجيني في الخلايا الجذعية المنتجة للدم عند مرضى الثلاسيميا، ما يمثل فرصة علاجية أخرى للشفاء من هذا المرض، إضافة إلى العلاج بزراعة نخاع العظم التي شهدت أيضاً تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، ما يسهم في علاجات واعدة في مستقبل هذا المرض.
أعراض الثلاسيميا
أكد استشاري أمراض وأورام الدم وزراعة نخاع العظم لدى الأطفال في مدينة برجيل الطبية، الدكتور محمد فهد عبدالله، أن أعراض مرض الثلاسيميا التي يجب على الأهل التنبه لها تظهر في صور عدة، كفقدان الرغبة في تناول الطعام، وشحوب الوجه واصفراره في بعض الأحيان، والتأخر في النمو، والإصابة بالالتهابات بشكل متكرر، والتغير في شكل العظام، خصوصاً عظام الوجه والوجنتين، حيث تصبح ملامح الوجه مختلفة، وتضخم الكبد والطحال، والبول الداكن اللون، والتعب والضعف العام، والتوقف المتكرر عن التنفس، وشحوب الجلد، والتهيج، واصفرار الجلد (اليرقان)، مشيراً إلى أن الأعراض السابقة قد لا تظهر إنما يصاب حامل المرض بفقر دم بسيط يتعايش معه بشكل طبيعي ولا يكتشف المرض إلا صدفة، إذ تعتمد علامات وأعراض المرض اعتماداً كبيراً على نوع الثلاسيميا.