مقالات وبحوث
رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب: الإمارات والكويت.. قصة نموذجين خليجيين
هذا المقال بقلم د. عبدالخالق عبدالله، أكاديمي وأستاذ العلوم السياسية من الإمارات، والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجريدة.
تبدأ القصة من الكويت في أقصى شمال الخليج حيث قدم رئيس الوزراء استقالته وهو الذي لم يكمل 100 يوم في عمله وأنهى بذلك رابع حكومة في سنتين، لتكون شاهدًا على تعثر المسار السياسي والديمقراطي في الكويت. الكويت تفتخر بنموذجها الديمقراطي الأقدم في المنطقة لكنها تعاني من شلل سياسي وانقسام مجتمعي وتعثر تنموي مزمن علاوة على مستقبل غامض.
بالتزامن مع ما يجري في الكويت، هناك قصة الإمارات قي أقصى جنوب الخليج التي احتفلت بإسدال الستار على نجاح إكسبو 2020 بحضور 192 دولة و24 مليون زيارة، ليكون شاهدًا على سجل تنموي ومعرفي وعمراني غني بإنجازاته ونجاحاته. الإمارات مليئة بالطموح واثقة بحاضرها ومتفائلة بمستقبلها، دون أن يعنيها كثيرا الترف الديمقراطي وانفلات الحرية، فلديها حريات اجتماعية وفردية واقتصادية وهي أهم من الحريات السياسية.
نقاط قوة نموذج الكويت الديمقراطي كثيرة وأبرزها مساحة حرية الصحافة وحرية التعبير وقدسية الدستور واستقلالية القضاء وحيوية السلطة التشريعية. لكن نقاط ضعف النموذج الكويتي برأيي كثيرة وبارزة وتشمل عدم الاستقرار السياسي المزمن والانقسام الاجتماعي والاصطفاف الطائفي والفساد الإداري والمالي وتراجع ثقة المواطن الكويتي في نخبته السياسية خاصة النخبة البرلمانية التي أفرطت في استخدام حق الاستجواب البرلماني بما في ذلك استجواب وزير بعد تسلمه منصبه بست ساعات. معظم الاستجوابات البرلمانية تتم لأغراض شخصية وفئوية مما أثر سلباً على صورة وسمعة ديمقراطية الكويت التي لم تعد جاذبة كما كانت حتى وقت قريب.
في المقابل نقاط قوة نموذج الإمارات كثيرة وواضحة وأهمها الاستقرار السياسي والتلاحم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي وبناء اقتصاد ما بعد النفط وتنويع مصادر الدخل، والتقدم في أكثر من 150 مؤشر تنموي ومعرفي وتقني حيوي، علاوة على بنية تحتية هي من بين الأفضل عالميا. ولا يخلو نموذج الإمارات من نقاط ضعف ربما أبرزها غياب المشاركة السياسية وضعف حضور المجلس الوطني، وتراجع دور مؤسسات المجتمع المدني وتدني سقف حرية التعبير والصحافة حيث تحتل الإمارات الترتيب العالمي 131 في مؤشر الحريات عام 2021 وهي التي تحرص أن تكون في الترتيب الأول في كل مؤشر تنموي وحضاري.
كانت الكويت في بداية عهدها بالاستقلال سباقة في كل مؤشر تنموي ومعرفي وثقافي ورياضي وأصبحت قدوة لبقية دول المنطقة. ثم أخذ النموذج الكويتي في التراجع التدريجي في معظم المؤشرات التنموية. أما الإمارات التي كانت تنظر إلى الكويت كنموذج تنموي ومعرفي ملهم، فقد بدأت بدايات متواضعة عند قيامها كدولة اتحادية مستقلة سنة 1971. ثم أخذ نموذج الإمارات الاتحادي يتقدم في خط بياني تصاعدي وفي زمن قياسي وهي مستمرة بثقة في تقدمها متجاوزة توقعات القريب والبعيد.
أسباب عديدة ومعقدة ومتراكمة دفعت بهذين النموذجين الخليجيين للافتراق والذهاب إلى اتجاهين مختلفين بل ومتناقضين. لكن من بين جميع تلك الأسباب، يعزو البعض تعثر المسار التنموي في الكويت إلى جو برلماني مشحون وإلى مسار ديمقراطي مأزوم وإلى تغول المسار السياسي على القرار الاقتصادي. يقول هذا البعض إن الممارسة الديمقراطية هي أكبر مشاكل الكويت وسبب تعثرها التنموي
في المقابل، يعزو البعض تألق الإمارات التنموي إلى بطء المسار الديمقراطي وغياب العمل السياسي الشعبي وعدم وجود حياة برلمانية صاخبة. يقول هذا البعض إن أكثر ما يميز نموذج الإماراتي التنموي هو أن القرار الاقتصادي يتصدر المشهد ويقود الشأن السياسي ويشكل مصدرًا مهمًا من مصادر حيوية نموذج الإمارات الفيدرالي عموما ونموذج دبي الاقتصادي والتجاري بالأخص.
يختصر هذا البعض قصة هذين النموذجين الخليجيين في معادلة بسيطة هي: تغول الخطاب السياسي في الكويت فتراجع النموذج الكويتي تنمويا سنين الى الوراء، في حين تصدر الشأن الاقتصادي في الإمارات فتقدم النموذج الإماراتي التنموي سنين ضوئية إلى الأمام، ليس خليجيًا بل حتى عربيًا وأصبح مثيرًا للاهتمام عالميًا.
لكن مهما كانت عثرات نموذج الكويت، فإن الشارع الكويتي في جله فخور بنموذجه الديمقراطي ويفضل الحريات على العمارات ولسان حاله لا مساومة على الحرية وإن جاءت على حساب التنمية مؤقتًا. في المقابل، فإن الجمهور الإماراتي بأغلبية ساحقة يتغنى بنموذجه التنموي والاتحادي الذي بلغ العالمية في زمن قياسي، ولا يود أن يقايض حرياته الاجتماعية بحريات سياسية، ولسان حاله لا مساومة على النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي والتلاحم الاجتماعي والتقدم الرقمي والتقني وإن جاءت على حساب حرية سياسية منفلتة.
أما الموطن الخليجي خارج الكويت والإمارات، فبعضه معجب بنموذج الكويت الديمقراطي وبما يقدمه من حرية التعبير والصحافة وقدسية الدستور، وبعضه الآخر يفضل نموذج الإمارات التنموي الذي يمتاز بالازدهار والاستقرار والانفتاح ويقدم باقة من الحريات الاجتماعية التي لا تتوفر في النموذج الكويتي أو أي نموذج خليجي آخر. لكن هناك البعض الثالث من الجمهور الخليجي النخبوي والشعبي الذي يتمنى بروز نموذج خليجي ثالث ومختلف يجمع حسنات النموذجين الإماراتي والكويتي ويمزج نقاط قوتهما ويتفادى نقاط ضعفهما.
لا يوجد في الأفق القريب احتمال بروز نموذج خليجي ثالث ديمقراطي ومستقر ومزدهر. مثل هذا النموذج الخليجي الذي يجمع الديمقراطية والازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي معا هو حلم خليجي، بل هو حلم عربي.
لذلك يبقى السؤال هل حكم على شعوب الخليج أن تختار بين نموذج ديمقراطي كويتي غير مستقر ويمر بمرحلة هي الأصعب وبين نموذج تنموي إماراتي مستقر يعيش عصره الذهبي؟ هل هذا عصر التنمية أم أنه عصر الحرية؟ وما سر تألق نموذج الإمارات الملهم حاليًا وما أسباب تعثر نموذج الكويت الذي كان سابقًا ملهمًا؟ وكيف ذهب نموذجان خليجيان رغم ما بينهما من تشابه اجتماعي وتاريخي عميق إلى مذهبين مختلفين ومتباينين؟
هذه أسئلة من وحي قصة نموذجين خليجيين تطرح نفسها للنقاش، وتستحق وقفة نقدية ونظرة موضوعية.