سلايد 1شؤون دينية

كفالة اليتيم والإحسان إليه

أمرنا رب العالمين- جل وعلا- في كتابه بالإحسان إلى اليتامى في كل زمان ومكان؛ بل إنه- سبحانه- أخذ العهد والميثاق على الأمم قبلنا أن يحسنوا إلى اليتامى، قال تعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا»، (سورة البقرة الآية: 83).. وتتعاقب الآيات التي تحض على الإحسان إلى اليتامى قال تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، (سورة البقرة الآية: 220). وكان الجزاء عظيماً لمن أطعم اليتيم «فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا(11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)»، (سورة الإنسان الآيتان: 11-12).. فيا له من أجر عظيم.
عن ثمرات وفضائل كفالة اليتيم يقول الشيخ محمود المصري في كتابه «ليلة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم»: روي أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: «أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك»، (رواه الطبراني). وفي رواية قال: «أدن اليتيم منك وألطفه وامسح رأسه وأطعمه من طعامك فإن ذلك يلين قلبك ويدرك حاجتك»، (رواه البيهقي).
وكفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة التي أقرها الإسلام وامتدح أهلها فعن السائب بن عبدالله رضي الله عنه قال: «جيء بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة – جاء بي عثمان بن عفان وزهير – فجعلوا يثنون علي، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعلموني به، قد كان صاحبي في الجاهلية». قال: نعم يا رسول الله، فنعم الصاحب كنت. فقال: «يا سائب انظر أخلاقك التي كنت تصنعها في الجاهلية فاجعلها في الإسلام: أقر الضيف، وأكرم اليتيم، وأحسن إلى جارك»، (رواه أحمد).
بل لقد أثنى النبي- صلى الله عليه وسلم- على صالح نساء قريش لشدة الرأفة والرحمة باليتيم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش. أحناه على يتيم في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده»، (رواه البخاري).

امتثال لأمر الله

وكفالة اليتيم والإحسان إليه امتثال لأمر الله؛ حيث قال عز وجل: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا»، (سورة النساء الآية: 36). فمن أحسن إلى اليتامى فقد أطاع الله فيما أمره. وفي إكرام اليتيم والقيام بأمره إكرام لمن شارك رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة اليتم، وفي هذا دليل على محبته صلى الله عليه وسلم.
كما أن من كفل يتيماً وأحسن إليه فإن البركة تحل عليه وعلى أسرته وخير شاهد ما حدث في بيت أبي طالب – عم النبي صلى الله عليه وسلم- عندما كان فقيراً ومع ذلك لما كفل الحبيب محمداً صلى الله عليه وسلم عرفت البركة طريقها إلى بيته.
وكفالة اليتيم تسهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهية وتسوده روح المحبة والود وأيضاً دليل على صلاح المرأة إذا مات زوجها فعالت أولادها وخيريتها في الدنيا وفوزها بالجنة ومصاحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخرة.

مع النبي في الجنة

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أنه تأتي امرأة تبادرني، فأقولها لها: مالك، وما أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي»، (أخرجه أبويعلى).
وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة هاتين» وفرق بين إصبعيه السبابة والوسطى. كما أن الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، قال صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار» فالأرملة التي توفي عنها زوجها وترك لها أولاداً يتامى قد تجرعوا غصص اليتم منذ نعومة أظفارهم، هم أحوج ما يكونون إلى يد حانية تمتد لتمسح جراحاتهم من على صفحات قلوبهم المنكسرة ومن هذا المنطلق حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب القلوب الرحيمة على أن يتسابقوا على إكرام هؤلاء اليتامى وتلك الأم التي انكسر فؤادها بموت زوجها. فمن سعى عليها وعلى أولادها فهو كالمجاهد في سبيل الله وكالذي يقوم الليل ليناجي ربه وهو كذلك كالذي يصوم النهار.. وهذا الساعي يفوز بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا- وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما» وقال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث – يعني قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة» – أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك.
وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: «يا داود كن لليتيم كالأب الرحيم وكن للأرملة كالزوج الشفيق واعلم أنه كما تزرع كذا تحصد». وقال داود عليه السلام في مناجاته: «إلهي ما جزاء من أسند اليتيم والأرملة ابتغاء وجهك؟ قال: جزاؤه أن أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي». وإطعام اليتامى من أعظم صفات أهل الجنة، قال تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»، (سورة الإنسان الآية: 8).
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في كل ذات كبد حرى أجر»، (رواه ابن ماجه). فإن لك أجراً في كل لقمة أو شربة ماء تسوقها لحيوان أعجم فكيف بمن يسوق لقمة إلى فم يتيم يتجرع مرارة اليتم؟!
وأيضاً لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، إن في حجري يتيماً فما يحل لي وما يحرم؟ (يعني كيف أتعامل معه؟).. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كنت مؤدباً ولدك فأدبه مثله».

الخليج

إغلاق