سلايد 1

التسامح ترياق ضد التطرف

في كتابه الجديد «إنسانيتنا المشتركة.. والتسامح»، الصادر عن مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، واتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، يسعى الدكتور يوسف الحسن من خلال نصوص فكرية، إلى تبديد الوعي الملتبس حول بعض المصطلحات والأفكار السائدة والراسخة في وعي مجتمعاتنا العربية، طارحاً مجموعة من الأسئلة التي تستهدف قضايا ذات صلة بالواقع، مثل: الخطاب الراهن والتراث والتعصب، وهشاشة الوعي بأخطار منطق الصراع، وغياب حوارات (الحياة)، وتشوش مفهوم التسامح عند العامة…الخ.
يتناول الكتاب عدداً من القضايا الفكرية، من خلال العناوين التي طرحها المؤلف مثل: «ذكرياتنا.. حياة ثانية»، «إنسانيتنا المشتركة والتسامح»، «أسئلة التراث»، «تعزيز الوعي في التراث الثقافي»، «الحاجة إلى التجديد»، «التفكير في ما لا يفكر فيه»، «أسئلة حول الإرهاب»، وغيرها من المواضيع التي تحمل وحدة موضوعية، ويقول شارحاً هدفه من هذا المؤلف: «كتبت هذه المجموعة من العناوين، الخارجة من نبع واحد، خلال صيف العام 2017، حاولت فيها تبديد التباسات في عدد من المفاهيم المبثوثة في خطابنا، وتربويتنا، وفي قصص نقرؤها أو نرويها، واجتهدت في تفكيك شيفرات قضايا ووجوه ومسلكيات، وحوارات نخبوية بشعارات وهمية».
ممارسة التسامح تقتضي تقبل وتحمل أشخاص وأفكار لا نتفق معها، عكس ما نشأ عليه بعضنا حيث لا نحب أو نتقبل إلا ما نحبه، هي إشارة يقدمها الحسن في مناقشته لمفهوم التسامح وضرورة حضوره في حياة البشرية جمعاء، فثقافة التسامح تولّد المواطنة والتعايش، ولا تنفع في التربية عليها مجرد المواعظ والشعارات، وإنما ما ينفع فيها هو القدوة الحسنة والتشريعات الضامنة، والتربية المشبعة بالذات الجماعية والمعايشة، بدلاً من الذات الفردية والرافضة للآخر المغاير.
لا يكتفي الحسن بهذا القدر من الطرح حول مفهوم التسامح، بل يناقش أيضا ما ارتبط به في مجتمعاتنا العربية من مفاهيم العفو والصفح، ويقول في هذا الصدد: «لم يفلح، حتى الآن، كثيرون منا في التفريق ما بين مفهوم الصفح والعفو، ومفهوم التسامح، لعل ذلك مرده إلى أن معاني الصفح أو العفو أو المغفرة، واضحة، في حين أن مفهوم التسامح، ليس سهل الفهم أو التحقق. وقد اكتفى أكثرنا بفهم التسامح في اللغة، على أنه يعني التساهل، وأن المسامح كريم، كما يقول المثل العربي السائد. لكن ماذا عن موقفك من إنسان لم يظلمك، ولم يؤذك؟ إنه مجرد إنسان مختلف في لونه أو عرقه أو مذهبه أو دينه، هل ستدعو عليه وتلعنه أم تقصيه وتهمشه؟»، ويجيب: «لا مكان هنا للعفو أو للصفح، إنما هنا يكمن المفهوم الصحيح للتسامح، حيث كل الأنفس مصونة، لا يجوز الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال، وكل النفوس سواسية في العصمة – من قتل نفساً واحدة، فكأنما قتل الناس جميعا- وهذا هو خطاب التسامح، خطاب إحياء لا قتل، خطاب رحمة لا خطاب تفحش وكراهية».
يحمل الكتاب تحذيراً شديد اللهجة من أن غياب الوعي سيكلف البشرية كثيراً، مشيراً إلى الخطابات المتطرفة المتعددة، التي لا تسود فقط الخطاب الديني المتطرف، بل حتى في الجماعات الراديكالية والشعبوية التي تريد أن تنتصر لإرادتها الخاصة، فالمؤلف يجد أن الترياق المناسب لخطاب التطرف يكمن في ضرورة التسامح، وأن فيروس العنف المسلح ينمو في عقل الإنسان، حينما يتعمق إحساسه بأن هويته الطائفية أو الدينية أو العرقية أو الوطنية أو القومية، فريدة في نوعها، وذات سطوة تعصبية وعدوانية وهيمنة تحط من قدر الآخر، ولا تتسامح معه.
مسألة أخرى يتوقف عندها الحسن، هي التربية والتعليم في أوطاننا، حيث يؤكد أنه لا عذر لمؤسسة تربوية في جهلها بالثورات الثقافية التي تجتاح العالم، ومناهج التفكير العقلي التي تقود حركة التعليم والابتكار والإبداع والتطور في الحياة الإنسانية. مشيراً إلى أن مناهج التعليم هي المدخل لبناء الإنسان الكلي والمتكامل، في حاجاته البيولوجية والبدنية والثقافية والاجتماعية والمعرفية، وفي عمليات التفكير العلمي والنقدي والحواري والإبداعي، وفي تمثله قولا وسلوكا لمنظومة قيم ومعايير أخلاقية وفضائل إنسانية تحكم رؤيته لذاته وللآخر وللحياة والكون، وهذا يعني أن المدرسة، ليست مجرد ساحة لاكتساب المعلومات وتخزينها واسترجاعها مفرغة من كل قيمة إيجابية، خاصة إذا ما كانت أساليب التعليم تعتمد التلقين والوعظ اللفظي، وتغيب عنها الأنشطة الجمعية والتنمية العقلية الباحثة دوما عن الحكمة وعناصر الدهشة والاستمتاع والتعلم الذاتي.
الخليج

إغلاق