الاقتصاد (مال وأعمال)جغرافياسلايد 1

«دوامة» المظاهر والكماليات تُوقع الموظفين في «شباك القروض»

قروض الشباب مشكلة قديمة متجددة، ما إن يتوقف الحديث عنها، إلا ويعود بقوة، حيث البنك أصبح الهدف الرئيسي لكثير من الشباب، الذين ما إن يستلم الواحد منهم وظيفة، إلا يكاد يسابق خطاه للاقتراض، لتحقيق أحلام رسمها له خياله، بامتلاك سيارة فارهة، أو السفر في رحلات خارجية، واقتناء الغالي والنفيس من كماليات فارغة ليس من ورائها طائل، سوى تحقيق واجهة هشة له، يلهث وراءها لإرضاء غروره الشخصي، في ضوء صغر سنه، وانعدام خبرته، وقلة وعيه، بعواقب التأخير في سداد الأقساط المبالغ فيها، أو التقاعس عن أي منها، بما يترتب على ذلك من فوائد، وورطة مادية تطيح القليل المتبقي له من راتبه الشهري، الذي ربما أسرته في أمسّ الحاجة إليه.
والمؤسف أن الشواهد الواقعية على تورط معظم الشباب في قروض تنبئ بخطورة ذلك، وبالنتيجة التي وصلوا إليها من تعرضهم للمساءلة القانونية، فيما، وبالفعل، هناك من صدرت ضدهم أحكام بالحبس، وقضوا وراء القضبان فترة، يندبون فيها اندفاعهم غير المدروس نحو القروض، والبطاقات الائتمانية التي تعد رديفاً للقروض في استقطاب الشباب ومن ثم سقوطهم في فخها، ولنا في القصص الآتية عبرة:

شابة موظفة، زوجة وأم، جرت وراء الموضة، والماركات، فمن شراء حقيبة بسبعين ألف درهم، إلى اقتناء حذاء بمئة وعشرين ألف درهم، وصولاً إلى شراء سوار ذهبي بمئة وخمسين ألف درهم، كل ذلك من خلال اقتراضها مبالغ كبيرة من احد البنوك التجارية، إلى اصطدامها بواقع مديونيتها للبنك بمليوني درهم، حيث دخلت في دائرة القروض المركبة، وأصبحت تواجه السجن، لانعدام قدرتها المادية على سداد الأقساط المستحقة عليها.
شاب جرى وراء السفر، وسحب قروضاً كبيرة من البنوك، وسافر، ونتيجة لرفقة السوء، اضطر لتجديد مديونيته أكثر من مرة، وكرر السفر إلى الخارج، وانقطع عن المداومة في جهة عمله، إلى أن تم فصله، وأصبح أمام أحد أمرين، إما سداد ما عليه من مديونية، أو التعرض للحبس، ولأنه كان استعان بأحد زملائه في العمل، ليكون كفيله وضامنة أمام البنك، فقد أصبح الكفيل بالتالي مداناً معه.
شاب في مقتبل العمر، ذهب به اندفاعه لاقتراض مليون درهم من احد البنوك لبدء مشروع تجاري، سعياً وراء الثراء السريع، وظناً منه أن الإنجازات التجارية تنال من غير خطوات مدروسة، فوقع نتيجة لعدم درايته بها، في خسارة فادحة، وواجه المساءلة القانونية.
شقيقان يفتقران للثقافة والخبرة، ارتميا في أحضان الاقتراض من احد البنوك، طمعاً في تحقيق حلم امتلاك سيارة فارهة، لا تتناسب مع مستواهما المادي، ولا مع استطاعتهما تحمل مصاريف الإنفاق عليها، ولأن السيارات تقل قيمتها السوقية مع مرور الزمن خلاف العقارات والذهب، فقد انخفضت قيمتها، علاوة على أنهما أصبحا أسيري قرض بنكي كبلهما مادياً لمدة تتراوح ما بين 8 و10 سنوات.

معالجة قروض المواطنين

هذه بعض قصص من كلّ لا يمكننا حصره، عن شباب أوقعتهم قلة خبرتهم، وصغر أعمارهم، ولامبالاتهم، في وادي القروض السحيق، بفعل اندفاعهم، ولهثهم وراء المظاهر الخادعة، والتفاخر، وحين الرجوع سنوات إلى الوراء للوقوف على واقع القروض إحصائياً، حسب المصرف المركزي، نجد أنها احتلت المرتبة الأولى من حيث حجم الائتمان الممنوح 31.29% من إجمالي الائتمان المصرفي الممنوح لكل الأنشطة الاقتصادية في الدولة بواقع 67.328 مليار درهم بنهاية الربع الأول من عام 2014، بزيادة ربع سنوية بلغت نسبتها 94.2%، مقابل 3.319 مليار درهم بنهاية عام 2013، ومقابل 6.261 مليار درهم بنهاية 2012، حيث منحت البنوك قروضاً استهلاكية وتجارية للأفراد بقيمة 37.9 مليار درهم في الشهور الثلاثة الأولى من عام 2014، ومنحت البنوك قروضاً استهلاكية وتجارية للأفراد خلال عام 2013 مكتملاً بقيمة نحو 7.57 مليار درهم بنمو سنوي بنسبة 06, 22%.
ورغم هذه النسب، صدر منذ فترة توجيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بإنشاء صندوق برأسمال 10 مليارات درهم لدراسة ومعالجة قروض المواطنين من ذوي الدخل المحدود، وإجراء تسويات للقروض الشخصية المستحقة عليهم، بالتنسيق مع المصرف المركزي والمصارف الدائنة في الدولة، ليحقق قفزة نجاة لمن سقطوا في هوة القروض، فيما لا تزال مشكلة اقتراض الشباب حديثي العمل مشكلة مؤرقة تبحث عن حلول مناسبة.

تأثيرات مختلفة

بداية يتحدث د. خليفة بن حارب المهيري، الخبير الاقتصادي حول تأثير القروض بشكل عام في واقع المجتمع، وفي سياسة الدولة، والشباب المقترض، وأسرهم، قائلاً: التأثير الاقتصادي السلبي للقروض يتركز في منع المقترض من خوض غمار السوق، والحيلولة دون استطاعته الاستثمار الحقيقي في الدولة، لأن الواقع المادي للمقترض من انعدام السيولة المادية بتاتاً لديه تحول دون محاولته بدء نشاط استثماري بسيط، مثال المشاريع الصغيرة، التي ساعد في نجاح أصحابها، وازدهارها لديهم، خلوهم من الديون، والقروض، فضلاً عما يرويه الواقع التجاري للمجتمع من نماذج لتجار كبار بدأوا باستثمارات صغيرة، وبالتدرج في صعود سلم النمو المنطقي، والواقعي، إلى أن أصبحوا مستثمرين راسخين في السوق.
وقضية القروض تؤثر في سياسة الدولة، لأنها تشغل صناع القرار، وأعني القيادة الحكيمة للدولة، حيث يحملون هموم المقترضين فوق مسؤولياتهم الأخرى الخاصة بالدولة، فيما نرفع إلى سموّهم جميعاً آيات من الشكر، لأنهم وضعوا راحة المواطنين نصب أعينهم، من خلال إنشاء الكيانات الخيرية، كصندوق الزكاة، والجمعيات الخيرية، إضافة إلى وضع منصات في أكثر من إمارة، لاستقطاب المعسرين، وسداد ديونهم، ما كان له الأثر الكبير في الاستقرار المجتمعي لدى المواطنين.وكما قيل سابقاً، فالدين همّ في الليل، وذل في النهار، والمقترض الذي يقع ضحية للمظاهر الخداعة، والإغراءات البنكية، حباً في الثراء السريع، يحرم نفسه من تطوير الجانب العلمي لديه.

ثقافة الادخار

ويرى جاسم البلوشي، عضو اللجنة الاقتصادية في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، وعضو مجلس أمناء مؤسسة ربع قرن، أن مستوى وعي الشباب تجاه القروض ارتفع عن ذي قبل مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي، التي ساهمت في نشر الوعي، وعملت على حذر كثير منهم من العروض غير المجدية أو الضرورية، إلا أن ذلك – وكما يؤكد – قد لا يكون كافياً، في ضوء أولويات الحياة من سكن، وزواج، ونمط حياة، وكماليات أخرى، لا يمكن تجاهلها، بما أدى إلى أن تصبح هناك ضرورة ملحة للشراكة بين القطاع الخاص والمجتمع، لنشر ثقافة الادخار بين أفراد المجتمع، بالتعاون مع مختلف المؤسسات التعليمية، لاسيما الفئات العمرية الصغيرة بدءاً من الحصالة، فيما يأتي دور المصارف والبنوك بتخصيص جانب من مخصصات المسؤولية الاجتماعية لهذا الغرض.

‏معضلة اجتماعية

وفي إقراره قاعدة أن النمو الاقتصادي يتحقق بدعم الاستهلاك والاستثمار، يؤكد عبد العزيز النعيمي، عضو اللجنة الاقتصادية في استشاري الشارقة، انه إذا كان النمو في الاستهلاك مدفوعاً بنمو الاقتراض تصبح هناك خطورة على الاقتصاد، قائلاً في هذا الصدد: يلجأ الأفراد إلى القروض الشخصية لمواجهة ظروف حياتية، أو استثمارية، لكنها تشكل معضلة اجتماعية واقتصادية، تهدد حياة الفرد وكيان المجتمع، وتؤدي بفعل المغالاة فيها إلى حرمان الفرد من حريته، بسبب الشيكات التي يصدرها للبنك أو للغير، ويتحول بالتالي من شخص مستقيم وإيجابي إلى مجرم في نظر القانون، ومنبوذاً في نظر المجتمع.
والمؤسف أن فئة الشباب هي الأكثر اقتراضاً من المصارف التجارية، وعادة يكون القرض لشراء سيارة جديدة، أو كماليات وسلع استهلاكية، وقد يضطر المقترض إلى تجديد القرض حال عجزه عن السداد، وهؤلاء هم الأكثر عرضة للسجن بسبب العجز عن السداد في المواعيد المحددة، فضلاً عن تأثر الادخار العائلي لدى الفرد والأسرة، نتيجة زيادة الإنفاق الاستهلاكي الذي يؤثر في حجم الاستثمار لدى القطاع العائلي، الذي حول مجتمع الإمارات إلى استهلاكي، فالأسر ذات الدخل المحدود تنفق جزءاً كبيراً من دخلها على الاستهلاك.
والحقيقة، معظم دوافع الاقتراض تعود إلى الانفتاح التجاري والاقتصادي الذي يشهده المجتمع.

درء الضرر

ويحدد المحامي سعيد الطاهر مجموعة من الأسباب التي تدفع الكثيرين إلى الاقتراض، منها ما هو للضرورة وللحالات الطارئة، مثل العلاج، أو صيانة المنزل، أو بناء مسكن جديد، أو تغطية مصاريف الأسرة، أو تسديد الرسوم الدراسية، ومنها ما يندرج في بند الكماليات، كالاقتراض للترفيه والسفر في موسم الإجازات، وشراء سيارة فاخرة، وقد يلجأ الفرد للاقتراض للاستثمار، أو تحسين وضعه المالي كشراء الأسهم، والاستثمار فيها، أو الاقتراض للتداول بالعملات، أو لعمل مشروع تجاري خاص به، قائلاً ومحذراً: أصبح الاقتراض للضرورة في بعض الحالات، ومن غير ضرورة في حالات أخرى، لذا نعذر الذي يقترض للضرورة، ولكن ننصحه عند اللجوء للاقتراض من البنوك، أو من شركات ومؤسسات التمويل، عدم التوقيع على عقد التمويل، إلا بعد عرض العقد على محام أو مستشار قانوني، لأن هذه العقود تتضمن بنوداً، وشروطاً، لا يستطيع الفرد العادي فهمها، واستيضاحها، إلا من خلال مستشار قانوني متخصص في تلك العقود، وذلك لدرء الضرر الذي ربما سيقع عليه، وكثيرة هي القضايا الجزائية والمدنية التي تضرر منها الأفراد والمؤسسات، جراء التوقيع على عقود التمويل، والاقتراض من غير فهم لتلك العقود، وننصح الأفراد الذين يقترضون من غير ضرورة مُلحة، بعدم اللجوء إليها من غير حاجة، لأن عواقب ذلك الأمر وخيمة، منها التشتيت، والدمار، والتفكك الأسري.

ضمانات كافية

في حديث سابق قال راشد بن يعروف: السبب الرئيسي وراء تفاقم مشكلة القروض الشخصية التي تفشت بين أبناء الوطن خاصة بين فئة الشباب من الجنسين، هو غياب ثقافة الادخار في الأسرة الإماراتية بشكل عام، لتحتل مكانها ثقافة شراهة الاستهلاك.
ولابد أن يشدد البنك المركزي الرقابة على البنوك للحد من منح القروض لغير مستحقيها، ولابد من وجود ضمانات كافية لدى المقترض لضمان سداد القرض، وإعادة النظر في العلاقة التي تنظم القروض الشخصية للمستهلك مع البنك بحيث لا تزيد هذه النسبة على 25% من الدخل حتى لا تزيد من أعباء المقترض، كما يجب إعادة النظر في موضوع الحد الأقصى للاقتراض، وأن يرتبط هذا الحد بضمانات لا تعتمد على الراتب فقط لسداد القرض، وكذلك وجوب عمل قاعدة بيانات لدى البنك المركزي لكل المقترضين يتم من خلالها إتاحة الفرصة للبنوك العاملة في الدولة للاطلاع على القدرة المالية للمقترض، ومعرفة إمكاناته في تحمل مسؤولية سداد القرض.
فيما قال سهيل الكعبي: اغلب من يتهافتون على الاقتراض من البنوك هم الشباب، لاسيما الفئة العمرية التي تتراوح ما بين 21- 25 عاماً، حيث يتطلعون إلى امتلاك سيارات فارهة، وكماليات أخرى غير ضرورية، ولا يفكرون في التزاماتهم الأخرى، ففور أن يعرض مندوب أي بنك القرض على الشاب من هؤلاء، يسارع بالموافقة، ويسعى إلى البنك طالباً الحصول على بطاقات ائتمان، وبمرور الوقت، ولتقاعسه في السداد، تتراكم عليه الديون، فيسارع بالحصول على قرض شخصي لتسديد مديونية البطاقة، ويدخل بالتالي في دوامة لا تنتهي من الديون..

القرض الحسن

أكد مختصون أن القرض الحسن الذي تقدمه البنوك الإسلامية هو أفضل أنواع القروض لأنه بلا فوائد، ويساعد الشباب على الزواج، ويعين الأسر على تكلفة العلاج ورسوم التعليم، والتغلب على المشكلات المادية التي تواجههم من دون استغلال لظروفهم، لافتين إلى إن القوانين المنظمة للاقتراض تحتاج إلى إعادة نظر، بحيث لا تزيد مدة القرض على عامين، وليس- كما الحالي- خمسة أعوام قابلة للزيادة، ويجب عدم فتح حساب للشخص الواحد في أكثر من بنك حتى لا تتم عملية الاقتراض من بنوك متعددة، ولابد من وجود قاعدة بيانات للمقترضين تبين قدرتهم المالية، وتوضح مدى قدرتهم على السداد، وهذه البيانات تكون مرجعاً للبنك قبل موافقته على منح القرض، كما يجب عدم منح قرض تكميلي ما لم يكن قد تم سداد القرض الأصلي بانتظام لفترة لا تقل عن سنة، وأيضاً عدم منح قروض لتمويل المشروعات الشخصية من دون بيانات واضحة وكافية عن المشروع، وضمانات كافية لتأكيد جدية غرض القرض مع وجود ضمانات كافية لدى المقترض حتى تتم الموافقة على منح القرض.

إحسان السويدي: مشكلة تؤثر في الاستقرار النفسي والاجتماعي

قالت المستشارة الاجتماعية إحسان السويدي: تعتبر القروض الشخصية مشكلة أصبحت منتشرة بين الأسر والأفراد، وتؤثر في استقرارهم النفسي والاجتماعي، وتسهم في تدمير الحياة الزوجية.
فالبنوك تتعمد إغراء عملائها بالقروض، وتوفير التسهيلات لهم، وتبذل قصارى جهدها لإقناعهم بالاقتراض، وأدى التغيير في نمط الحياة ومتطلبات الحياة الأسرية، إلى لجوء كثير من الشباب للاقتراض مع فوائد كبيرة للمصرف، ولعدم مقدرتهم على سداد القرض يتعرضون لأزمات اجتماعية واقتصادية، توقعهم في مشاكل أمنية وقضايا.
والمؤسف أن جميع الأمور الحياتية لأغلب الشباب تسير بالقروض، فما إن ينتهي الواحد منهم من سداد القرض الأول الذي ربما حصل عليه للزواج، إلا ويقترض ثانية من أجل بناء منزل، ومن هنا تبدأ المعاناة لسداد القروض، وتتأثر الحياة الزوجية، وقد تقع حالات الطلاق بسبب الضغوط المادية جراء القروض وخلافه.

الخليج

إغلاق