كائنات لا ترى بالعين تمثل عالماً من الأسرار الخفية واسعة المدى وعلى الرغم من ضعفها في الحجم إلا أنها تستطيع أن تهزم أقوى الأقوياء وهي تمثل أنواعاً غفيرة من البكتيريا والفيروسات منها النافع من فطريات وخمائر ومنها الضار من فيروسات فتاكة؛ إذ تسبب أمراض الإيدز والسرطان والحميات.
يقول المهندس حسين الليثي في كتابه «الله خالق الكون الأعظم»: ليست البكتيريا كلها ضارة ومؤذية؛ بل إن منها البكتيريا النافعة فهناك البكتيريا المساعدة في الهضم في معدات جميع الكائنات الحية والتي لا غنى عنها في التمثيل الغذائي للإنسان والحيوان والكائنات الأخرى. وهناك من البكتيريا ما يستخدم في التخمير والخمائر المفيدة في جميع الأغراض الصناعية والمعملية والكيميائية. ومن البكتيريا النافعة ما يفيد في مقاومة الآفات الزراعية والقضاء على الفطريات النباتية المختلفة وإبادتها من دون تأثير سلبي على البيئة. وبذلك تعتبر من المبيدات النظيفة غير الملوثة للبيئة.
وهناك البكتيريا التي تساعد على التخمير في السكريات وكذلك في كثير من الصناعات الطبية والتحويلية والمعملية والصناعية المختلفة. طالما وجدت البيئة التي تناسب تكاثرها وانقسامها السريع من أكسجين ودرجة حرارة ورطوبة ومواد عضوية، كما تقوم أنواع من البكتيريا بدور مهم في الأسمدة العضوية والتخلص من المخلفات المختلفة.
الجانب السلبي
أما الجانب الآخر السلبي الذي يتمثل في أنواع البكتيريا الضارة فمنها ما يصيب الإنسان بالدرن والطاعون والتتانوس والجمرة الخبيثة والتيفود والتيفوس وغير ذلك من الأمراض الفتاكة التي أودت بحياة مئات الملايين من البشر، ومنها ما يصيب الحيوانات والطيور كالبروسيلا والسالمونيلا، وتنتقل الإصابة بهذه الأمراض عن طريق البعوض أو الذباب أو الحشرات الضارة أو الملامسة والتلوث ومخالطة المرضى وعدم العناية بالنظافة والطرق الصحية وإهمال العلاج والمقاومة اللازمة باستخدام المطهرات والمبيدات.
وتعتبر الفيروسات من الكائنات الدقيقة الضارة التي تصيب الإنسان والحيوان والأحياء الأخرى وتهاجمها في شدة وضراوة ما لم يعجل لها بالدواء في الوقت المناسب. وقد عرفت فيروسات أمراض كثيرة ظهرت في قرون سابقة ولا تزال موجودة حتى الآن رغم مقاومتها، وقد تختفي بعض الزمن ثم تظهر فجأة بشكل كاسح، وأهمها فيروس الأنفلونزا ومرض الكلب وكذلك فيروسات الأمراض التي تصيب بالحميات كالجدري والالتهاب المخي والحمى القلاعية والشوكية، وكلها أمراض وبائية شديدة التأثير على الإنسان والحيوان. وإذا ما انتشرت اكتسحت كل الأحياء بلا هوادة وبسرعة مخيفة ومن أخطرها فيروس الإيدز وفيروس السرطان.
لغة كيميائية
وتعتبر الأميبيا من الكائنات الدقيقة الحية التي تهاجم جسم الإنسان، يقول الأستاذ محمد كامل عبدالصمد في كتابه «الإعجاز العلمي في الإسلام»: جذبت اهتمام العلماء الباحثين في علم «الأحياء» ظاهرة تحدث فجأة بين ملايين الكائنات الأميبية الهائمة؛ حيث تتحرك وتزحف ببطء نحو مركز للتجمع، وكأنما هناك مناد ينادي عليها من نقطة معينة.. والذي استرعى انتباه العلماء أن مثل هذه الظاهرة لا تحدث في مملكتي الحيوان والنبات.
وتبدو هذه الكائنات في البداية وهي هائمة، ولكنها توجه نفسها زاحفة فرادى، ثم تتجمع وتكبر حشودها حتى يمكن رؤيتها بوضوح، وقد تجمعت في كتلة هلامية.
لقد ظل سر هذه الظاهرة خافياً على العلماء حتى وقت قريب، حتى أيقنوا أن وراء هذا التوجيه كلمة سر أو أكثر، ولا شك أن هذه الكلمة أو الكلمات من النوع الكيميائي الذي يؤثر ويجمع ويوجه لهدف محدد، لكن أحداً لم يستطع أن يقدم الدليل على ذلك، إلى أن أجرى العالم البيولوجي «ج.ث. بونر» في عام 1947 تجارب رائدة في هذا الميدان، وبها اكتشف وسيلة التخاطب والاتصال بين هذه الحشود المتفرقة، وأثبت أنها شيفرة كيميائية أطلق عليها اسم «أكرازين» نسبة لاسم المرتبة التي تنطوي تحتها هذه المجموعات من الكائنات.
يجئ من بعد «بونر» علماء آخرون ليوضحوا أن لخلايا كل نوع من هذه الأنواع لغتها أو وسيلة اتصالها التي تجمعها، وبحيث لا تستجيب الأنواع الأخرى لمثل هذا النداء، وبذلك فقد وضعت بينها الحدود، وكأنما نحن أمام قاموس يحوي مفردات لغة من لغات الاتصال بين هذه الكائنات.
لقد ثبت أن مادة «الاكرازين» التي تستخدمها هذه الكائنات في التخاطب والاتصال، ليست مادة واحدة؛ بل تتكون من مفردات لغة كيميائية، على درجة كبيرة من التعقيد؛ إذ إنها تنطوي على عدة مركبات دافعة وموجهة لكل خطوة من الخطوات التي تسير فيها هذه التجمعات نحو هدفها.
الفطريات والجراثيم
ومن جهة أخرى تعتبر الفطريات من الكائنات الدقيقة الحية التي تسطو على أجسام الحيوانات المختلفة كبيرها وصغيرها، أما فطريات النباتات والزهور والأشجار والمحاصيل والثمار، فإن لكل منها نوعاً خاصاً لا تصيب غيره حتى لو كانت متجاورة في موقع واحد فتلتصق بالأوراق والبراعم الجديدة لتمتص عصارتها المغذية لها فلا تلبث أن تسقطها هشيماً جافاً. ولهذه الفطريات أساليب خاصة في الالتصاق بالنباتات بواسطة أهداب زغبية أو أطراف قابضة وتغطي سطحها بوقاية شمعية ثم تنقسم وتتمدد في كل ما حولها، وتختلف ألوانها ما بين الأبيض والأصفر والأسود، ولو تركت لبعض الوقت لاستفحل خطرها وضررها.
أما الجراثيم الدقيقة التي تنتقل من الحيوان للإنسان وتصيبهما معاً فهي أشد ضراوة وسمية، وقد تقضي عليهما في هجوم شرس. وتنتشر الجراثيم في الهواء وفي كل مكان به بيئة مناسبة لتكاثرها، ثم تنطلق في جنون للفتك بالفريسة، كما توجد في الماء العذب والراكد والمالح الآسن.
وفي مجال منتجات الألبان تقوم الكائنات الحية الدقيقة بدور مهم في تحضير اللبن الزبادي والرايب وأصناف عديدة من الجبن تتميز بالطعم والمذاق، وكلما زادت مدة التخمير تميزت الأصناف بالجودة.
وفي مجال صناعة الأدوية والمواد الغذائية والأنزيمات والأحماض العضوية، يتم استعمال بيئات تنمو عليها البكتيريا أو الخمائر أو الفطريات أو الطحالب، ثم تستخرج منها المواد الفاعلة التي تدخل في إنتاج تلك الصناعات، وقد تم اكتشاف البنسلين المفيد علاجياً من تلك المشتقات.
الحشرات الضارة
ومن جانب آخر تصيب الحشرات الضارة كثيراً من أنواع النباتات والثمار والأوراق والأشجار وتلتهم المحاصيل وتخترق الثمار الناضجة وتصيبها بالعفن، وبعضها يمتص عصارات النباتات ويرديها صفراء ذابلة، والبعض الآخر يأتي على كل أوراق خضراء ويحولها إلى هيكل جاف، وقد أمكن استخدام الكائنات الحية الدقيقة الممرضة في مقاومة تلك الحشرات، وبحيث لا تضر النباتات ولا الإنسان، وقد نجحت التجارب في هذا المجال بدرجة واسعة بدلاً من استخدام المواد السامة والمبيدات الكيماوية التي تؤثر في الحشرات الضارة ولكنها في الوقت نفسه تلوث البيئة والثمار والأشجار بدرجة خطرة وتصيب الإنسان والحيوانات النافعة والنباتات الاقتصادية.
وأخيراً توجد تلك الكائنات الحية في مياه البحار والمياه العذبة ولها دور نشط في تكوين الطحالب والنباتات البحرية الكثيرة المتنوعة. كما توجد الكائنات الحية الدقيقة في معدات الحيوانات المجترة كالبقر والجاموس والغنم والماعز والجمال؛ حيث تحلل السليولوز وتبني مادة البروتين والفيتامينات المهمة والدهون.
وتجدر الإشارة إلى أنه توجد في معدة كل إنسان بكتيريا نافعة مفيدة في هضم الطعام وتحويله، ولا يخلو كائن حي من تلك الأنواع البكتيرية صحياً وغذائياً، وتتسبب الأدوية والسموم التي يتعاطاها البشر في إبادة جميع البكتيريا النافع منها والضار على السواء.
وأثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن المضادات الحيوية تؤدي إلى منع نمو الكائنات الحية الدقيقة ثم إلى تدميرها قبل أن يتزايد نشاطها.
تنتفض.. وتتراقص
يحدثنا القرآن الكريم عن أمم سابقة أبيدت عن آخرها بأن سلط الله عليها الكائنات الدقيقة والفيروسات والحشرات وابتلاها بها جزاء كفرها.
ومعظم هذه الكائنات الغريبة التكوين تتألف من خلية واحدة ثم تنقسم في دورة حياتها إذا ما لاقت البيئة المناسبة وتتكاثر بسرعة مذهلة وتبدو تحت المنظار وهي تنتفض وتتراقص في حركات تموجية وتنطلق منها بلايين الخلايا.
أما كيف تتغذى ومن يسيّرها ويعلمها ما تقوم به فهذا من الأسرار التي تدل على قدرة الله تعالى في خلقه.
الخليج